سورة إبراهيم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قوله تعالى: {وقد مكروا مكرهم} في المشار إِليهم أربعة أقوال:
أحدها: أنه نمرود الذي حاجَّ إِبراهيم في ربه، قال: لا أنتهي حتى أنظر إِلى السماء، فأمر بفرخَي نسر فرُبِّيا حتى سمنا واستعلجا، ثم أمر بتابوت فنُحت، ثم جعل في وسطه خشبة، وجعل على رأس الخشبة لحماً شديد الحُمرة، ثم جوَّعهما وربط أرجلهما بأوتار إِلى قوائم التابوت. ودخل هو وصاحب له في التابوت وأغلق بابه، ثم أرسلهما، فجعلا يريدان اللحم، فصَعِدا في السماء ما شاء الله، ثم قال لصاحبه: افتح وانظر ماذا ترى؟ ففتح، فقال: أرى الأرض كأنها الدخان، فقال له: أغلِق، ثم صَعِد ما شاء الله، ثم قال: افتح فانظر، ففتح، فقال: ما أرى إِلا السماء، وما نزداد منها إِلا بُعداً، قال: فصوِّب خشبتك، فصوَّبَها، فانقضَّت النسور تريد اللحم، فسمعت الجبال هدَّتها، فكادت تزول عن مراتبها. هذا قول علي ابن أبي طالب. وفي رواية عنه: كانت النسور أربعة. وروى السُّدِّي عن أشياخه: أنه مازال يصعد إِلى أن رأى الأرض يحيط بها بحر، فكأنها فَلْكة في ماءٍ، ثم صَعِدَ حتى وقع في ظُلمة، فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته، ففزع، فصوب اللحم، فانقضَّت النسور، فلما نزل أخذ في بناء الصرح. وروي عن ابن عباس أنه بنى الصرح، ثم صَعِدَ منه مع النسور، فلما لم يقدر على السماء، اتخذه حِصناً، فأتى الله بنيانَه من القواعد، وقال عكرمة: كان معه في التابوت غلام قد حمل القوس والنُّشَّاب، فرمى بسهم فعاد إِليه ملطَّخاً بالدم، فقال: كُفيتَ إِله السماء، وذلك من دم سمكة في بحر معلَّق في الهواء، فلما هاله الارتفاع، قال لصاحبه: صوِّب الخشبة، فصوَّبَها، فانحطت النسور، فظنت الجبال أنه أمرٌ نزل من السماء فزالت عن مواضعها. وقال غيره: لما رأت الجبال ذلك، ظنت أنه قيام الساعة، فكادت تزول، وإِلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير، وأبو مالك.
والقول الثاني: أنه بختنصر، وأن هذه القصة له جرت، وأن النسور لما ارتفعت تطلب اللحم إِلى حيث شاء الله، نودي: يا أيها الطاغية، أين تريد؟ ففرِق، ثم سمع الصوت فوقه، فنزل، فلما رأت الجبال ذلك، ظنت أنه قيام الساعة فكادت تزول، وهذا قول مجاهد.
والثالث: أن المشار إِليهم الأمم المتقدمة. قال ابن عباس، وعكرمة: مكرهم: شركهم.
والرابع: أنهم الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين همُّوا بقتله وإِخراجه.
وفي قوله: {وعند الله مكرهم} قولان:
أحدهما: أنه محفوظ عنده حتى يجازَيهم به، قاله الحسن، وقتادة.
والثاني: وعند الله جزاء مكرهم.
قوله تعالى: {وإِن كان مكرهم} وقرأ أبو بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وأُبيّ، وابن عباس، وعكرمة، وأبو العالية: {وإِن كاد مكرهم} بالدال.
{لتزول منه الجبال}. وقرأ الأكثرون {لِتزولَ} بكسر اللام الأولى من {لتزول} وفتح الثانية. أراد: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، أي: هو أضعف وأوهن، كذلك فسرها الحسن البصري. وقرأ الكسائي {لَتزولُ} بفتح اللام الأولى وضم الثانية، أراد: قد كادت الجبال تزول من مكرهم، كذلك فسرها ابن الأنباري.
وفي المراد بالجبال قولان:
أحدهما: أنها الجبال المعروفة، قاله الجمهور.
والثاني: أنها ضُربت مثلاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وثبوتُ دينه كثبوت الجبال الراسية والمعنى: لو بلغ كيدهم إِلى إِزالة الجبال، لَمَا زال أمر الإِسلام، قاله الزجاج.
قال أبو علي: ويدل على صحة هذا قوُله: {فلا تحسَبَنَّ اللهَ مُخلِفَ وعْدِهِ رسلَه} أي: فقد وعدك الظهورَ عليهم. قال ابن عباس: يريد بوعده: النصر والفتح وإِظهار الدين. {إِن الله عزيز} أي: منيع {ذو انتقام} من الكافرين، وهو أن يجازَيهم بالعقوبة على كفرهم.


{يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض} وروى أبان {يوم نُبدِّل} بالنون وكسر الدال {الأرضَ} بالنصب، {والسمواتِ} بخفض التاء، ولا خلاف في نصب {غير}.
وفي معنى تبديل الأرض قولان:
أحدهما: أنها تلك الأرض، وإِنما يُزاد فيها ويُنقص منها، وتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها، وتُمد مَدَّ الأديم، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس. وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «{يوم تبدل الأرض غير الأرض} قال: ببسطها ويمدها مَدَّ الأديم». والثاني: أنها تبدَّل بغيرها. ثم فيه أربعة أقوال. أحدها: أنها تُبدَّل بأرض غيرها بيضاء كالفضة لم يُعمل عليها خطيئة، رواه عمرو بن ميمون عن ابن مسعود، وعطاء عن ابن عباس، وبه قال مجاهد.
والثاني: أنها تُبدَّل ناراً، قاله أُبيّ بن كعب.
والثالث: أنها تُبدَّل بأرض من فضة، قاله أنس بن مالك.
والرابع: تُبدَّل بخبزة بيضاء، فيأكل المؤمن من تحت قدميه، قاله أبو هريرة، وسعيد بن جبير، والقرظي. وقال غيرهم: يأكل منها أهل الإِسلام حتى يُفرغ من حسابهم.
فأما تبديل السموات، ففيه ستة أقوال:
أحدها: أنها تُجعَل من ذهب، قاله علي عليه السلام.
والثاني: أنها تصير جِناناً، قاله أُبيّ بن كعب.
والثالث: أن تبديلها: تكوير شمسها وتناثر نجومها، قاله ابن عباس.
والرابع: أن تبديلها: اختلاف أحوالها، فَمرة كالمُهْل، ومَرَّة تكون كالدِّهان، قاله ابن الأنباري.
والخامس: أن تبديلها أن تُطوى كَطَيِّ السِّجِلِّ للكتاب.
والسادس: أن تنشقَّ فلا تُظِلُّ، ذكرهما الماوردي.
قوله تعالى: {وبرزوا لله الواحد القهار} أي: خرجوا من القبور.


قوله تعالى: {وترى المجرمين} يعني: الكفار {مُقرَّنين} يقال: قرنتُ الشيء إِلى الشيء: إِذا وصلتَه به.
وفي معنى {مُقرَّنين} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم يُقرَّنون مع الشياطين، قاله ابن عباس.
والثاني: أن أيديَهم وأرجلَهم قُرنت إِلى رقابهم، قاله ابن زيد.
والثالث: يُقرَّن بعضهم إِلى بعض، قاله ابن قتيبة.
وفي الأصفاد ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الأغلال، قاله ابن عباس، وابن زيد، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، والزجاج، وابن الأنباري.
والثاني: القيود والأغلال، قاله قتادة.
والثالث: القيود، قاله أبو سليمان الدمشقي.
فأما السرابيل، فقال أبو عبيدة: هي القُمُص، واحدها سِربال. وقال الزجاج: السِّربال: كل ما لُبس. وفي القَطِرَانِ ثلاث لغات: فتح القاف وكسر الطاء، وفتح القاف مع تسكين الطاء، وكسر القاف مع تسكين الطاء. وفي معناه قولان:
أحدهما: أنه النحاس المذاب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه قَطِران الإِبل، قاله الحسن، وهو شيء يَتَحلَّب من شجر تُهْنَأ به الإِبل. قال الزجاج: وإِنما جُعل لهم القَطِرَان، لأنه يبالغ في اشتعال النار في الجلود، ولو أراد الله تعالى المبالغة في إِحراقهم بغير ذلك لقَدَرَ، ولكنه حذَّرهم ما يعرفون حقيقته. وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو مجلز، وعِكرمة، وقتادة، وابن أبي عبلة، وأبو حاتم عن يعقوب: {مِنْ قِطْرٍ} بكسر القاف وسكون الطاء والتنوين {آنٍ} بقطع الهمزة وفتحها ومدها. والقِطْر: النحاس، وآن: قد انتهى حَرُّه.
قوله تعالى: {وتغشى وجوهَهم النار} أي: تعلوها. واللام في {لَيجْزِيَ} متعلقة بقوله: {وبرزوا}

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9